کد مطلب:280384 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:256

تأملات فی الامتحان و الابتلاء
غرس الله تعالی فی أعماق الفطرة معرفته تعالی، وحمل النسیج الفطری إلهاما یمیز به الإنسان ما هو تقوی مما هو فجور، ویعرف به طریق الخیر وطریق الشر، وخلاصة القول أن الإنسان خلقه الله فی أحسن تقویم. وهو قوله تعالی: (لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم ثم رددناه أسفل سافلین إلا الذین آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غیر ممنون) [1] قال فی المیزان: ومعنی كونه فی أحسن تقویم. صلوحه بحسب الخلقة للعروج إلی الأهداف الرفیعة العلیا، والفوز بحیاة خالدة عند ربه. سعیدة لا شقاوة معها، وذلك بما جهزه الله به من العلم النافع ومكنه من العمل الصالح.

فالإنسان إذا آمن بما عمل وزاول صالح العمل. رفع الله عمله.

كما قال تعالی: (إلیه یصعد الكلم الطیب والعمل الصالح یرفعه) [2] أما إذا وقف الإنسان تحت ولایة الشیطان. فإنه یندرج فی أسفل سافلین أی فی مقام منحط، والمراد بالسفالة علی أی حال. الشقاء والعذاب.

والإنسان ینطلق إلی العلم النافع والعمل الصالح من مخزونه الفطری ومن الدین الذی بعث به الله الأنبیاء والرسل علیهم السلام،



[ صفحه 21]



فالفطرة تربط الإنسان بغایة وجوده. والدین هو الطریقة الخاصة فی الحیاة التی تؤمن صلاح الدنیا بما یوافق الكمال الأخروی، وشجرة الفطرة والدین تنبت فی التوحید. وأسلوب دین الله وقوانینه الجاریة قامت علی أساس الأخلاق التی تحفظ الإنسان من الخطأ والزلة، وعلی هذا الأساس الأخلاقی یكون العلم النافع. لأن المعارف الحقة والعلوم المفیدة لا تكون فی متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.

ولما كان الإنسان قد خلقه الله فی أحسن تقویم. وذلك بتآلف العناصر التی یتكون منها. بحیث تتجه اتجاها موحدا نحو غرض معین، ولما كان الإنسان قد أنشأه الله مختارا فی فعله. بمعنی أنه یعرف ما هو تقوی مما هو فجور. وله أن یمیل فی كل عمل إلی كل من جانبی الفعل والترك، فإن تعالی أجری علیه الامتحان والحكمة فی إسكان الله تعالی فی الأرض بعد أن زینها سبحانه بجمیع اللذائذ المادیة، هی امتحان النوع الإنسانی فردا فردا لإظهار صلاحیة الإنسان الباطنیة لاستحقاق الثواب والعقاب، والامتحان ناموس إلهی ولا یستثنی منه المؤمن والكافر والمحسن والمسئ، وكل جزء من أجزاء العالم وكل حالة من حالاته التی لها صلة بالإنسان هی من الوسائل والعوامل التی یمتحن الله البشر بها، وتحت سقف الامتحان یوجد إلقاءات شیطانیة نفذت من أودیة التزیین والإغواء. وتوجد أعلام الأنبیاء والرسل علیهم السلام التی تسوق أتباعها نحو صراط الله العزیز الحكیم، وبین هذا وذاك لا یخفی الحق. لأن الحق لا یخفی بأی وجه وعلی أی تقدیر. لأن الحق فی النسیج الفطری. ولا یمنع الناس من قبوله والخضوع الباطنی أمامه. إلا البغی والظلم والجحود والعناد والاستكبار.

فالإنسان یمتحن فردا فردا لیتلبس السعید بسعادته والشقی



[ صفحه 22]



بشقائه والله غنی عن العالمین، قال تعالی: (فمن اهتدی فإنما یهتدی لنفسه ومن ضل فإنما یضل علیها). [3] وقال: (فمن أبصر فلنفسه ومن عمی فعلیها). [4] وقال: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعلیها). [5] وقال: (ومن جاهد فإنما یجاهد لنفسه إن الله لغنی عن العالمین). [6] وقال: (ومن كان فی هذه أعمی فهو فی الآخرة أعمی وأضل سبیلا) [7] وقال: (ومن أراد الآخرة وسعی لها سعیها وهو مؤمن فأولئك كان سعیهم مشكورا). [8] .

وإذا كان الإنسان یمتحن داخل وعائه الفردی. فإنه یمتحن أیضا داخل وعائه الاجتماعی، یمتحن شعوبا وقبائل وأمم، قال تعالی: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن لیبلوكم فی ما آتاكم فاستبقوا الخیرات) [9] قال فی المیزان: والامتحان یكون فیما أعطی الله وأنعم.

ولیست التكالیف الإلهیة والأحكام المشرعة إلا امتحانا إلهیا للإنسان فی مختلف مواقف الحیاة، وفی قوله: (فاستبقوا الخیرات) فتح لأبواب الرحمة، أی فاستبقوا الخیرات وهی الأحكام والتكالیف. ولا تشتغلوا بأمر الاختلافات التی بینكم وبین غیركم. [10] .

فلما كان علی الفرد حجج من الله. كذلك علی المجتمعات حجج من الله. لأن لكل أمة حیاة اجتماعیة وراء الحیاة الفردیة التی لكل واحد



[ صفحه 23]



من أفرادها، ولما كان لكل فرد أجل محدد ومحتوم وله نهایة، فكذلك هناك أجل آخر ومیقات أخر للوجود الاجتماعی لهؤلاء الأفراد. للأمة بوصفها مجتمعا ینشئ ما بین أفراده العلاقات والصلات القائمة علی أساس من الأفكار والمبادئ، فهذا المجتمع الذی یسمی بالأمة. له أجل وله موت له حیاة وله حركة، ولما كان الفرد یتحرك فیكون حیا ثم یموت. فكذلك الأمة تكون حیة ثم تموت، وكما أن موت الفرد یخضع لأجل ولقانون ولناموس. كذلك الأمم أیضا لها آجالها المضبوطة، قال تعالی: (لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون). [11] .

وحركة المجتمع تحت سقف الامتحان. حركة تحكمها سنة الاستخلاف وهی السنة التی یمتحن بها الله الحاكم والمحكوم قال تعالی: (ویستخلفكم فی الأرض فینظر كیف تعملون) [12] وحركة المجتمعات علی امتداد التاریخ الإنسانی حركة ناطقة. بمعنی أن الله تعالی جعل الماضی ینطق فی الكون لیتدبر الحاضر وهو منطلق نحو المستقبل، قال تعالی: (أفلم یسیروا فی الأرض فینظروا كیف كان عاقبة الذین من قبلهم) [13] فالحاضر إذا تدبر الماضی وجد أن الله تعالی یحیی الذین آمنوا وعملوا الصالحات حیاة طیبة غیر التی یعطیها للآخرین، وأن الحیاة الدنیا التی یعتقد الموجود الحی إنها سعادة لنفسه وراحة لذاته.

إنما تكون سعادة فیها الراحة والبهجة إذا جرت علی حقیقة مجراها.

ویجد الحاضر أن العذاب الذی رآه الناس هو نتیجة طبیعیة لأعمالهم.

وأن الله لم یهلك أمة إلا بعد الانذار والحجة. وما هلكت أمة إلا بشركها بالله والإعراض عن آیاته واستكبارهم فی مقابل الحق وتكذیبهم



[ صفحه 24]



الأنبیاء والرسل. فإذا علم الحاضر هذا. استقام تحت مظلة الامتحان.

واستخدم جمیع الموجودات واعتبرها وسیلته فی الدنیا لبلوغ سعادة الآخرة.

وفی الوقت الذی یدعو فیه القرآن الكریم بتدبر الماضی، فإنه فی الوقت نفسه یكشف عن المستقبل عندما یقف كل فرد للحساب أمام ربه. یوم تری كل أمة جاثیة وخشعت الأصوات للرحمن. ففی هذا الیوم یظهر التابع والمتبوع فی كل مجتمع علی حقیقته. یقول تعالی: (یوم نقلب وجوههم فی النار یقولون یا لیتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبیلا ربنا آتهم ضعفین من العذاب والعنهم لعنا كبیرا) [14] وفی مشهد آخر یقول تعالی: (قالوا ربنا غلبت علینا شقوتنا وكنا قوما ضالین ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فیها ولا تكلمون). [15] .

وبالجملة: إن للإنسان هدف واضح ومحدد وهو عبادة الله تعالی. وهذا الهدف الواضح المحدد یملك إمكانیة تسمح بتحقیقه. وإن الشیطان لا یملك السلطان الذی یغیر هذا الهدف. وإنما یحمل لافتات الزینة والزخرف التی تدعو إلی الضلال. ویوم القیامة یتبرأ الشیطان من الذین اتبعوه.

والخلاصة: قال تعالی: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وإنكم إلینا لا ترجعون. فتعالی الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكریم) [16] قال فی المیزان: هل تظنون إنما خلقناكم عبثا تحیون وتموتون من غیر غایة باقیة فی خلقكم وإنكم إلینا لا ترجعون (فتعالی الله...) الآیة.



[ صفحه 25]



ووصف سبحانه نفسه بأنه ملك وأنه حق وأنه لا إله إلا هو وأنه رب العرش الكریم، فله سبحانه أن یحكم بما شاء من بدء. وعود وحیاة وموت ورزق، نافذ حكمه ماضیا أمره لملكه، وما یصدر عنه من حكم فإنه لا یكون إلا حقا فإنه حق ولا یصدر عن الحق بما هو حق إلا حق، ولا یفعل سبحانه إلا حقا. فللأشیاء رجوع إلیه وبقاء به وإلا كانت عبثا باطلة ولا عبث فی الخلق ولا باطل فی الصنع. [17] .


[1] سورة التين 5.

[2] سورة فاطر آية 15.

[3] سورة يونس آية 108.

[4] سورة الأنعام آية 104.

[5] سورة فصلت آية 46.

[6] سورة العنكبوت آية 6.

[7] سورة الإسراء آية 72.

[8] سورة الإسراء آية 19.

[9] سورة المائدة آية 48.

[10] الميزان 352 / 5.

[11] سورة الأعراف آية 34.

[12] سورة الأعراف آية 129.

[13] سورة يوسف آية 109.

[14] سورة الأحزاب آية 68.

[15] سورة المؤمنون آية 106.

[16] سورة المؤمنون 115.

[17] الميزان 73 / 15.